---
---
بعيداً عن التعبيرات الفلسفية في الرؤى النقدية ، ربما يكون في هذا العمل نقلة نوعية في أسلوب أداء الفنان / عادل عبدالرحمن ، فللوهلة الأولى عند النظر إلى هذا العمل نلحظ أن به شيئاً مختلفاً عن الأعمال السابقة ، رغم أنها تحتضن نفس الرموز الشعبية التي تناولها من قبل في أعمال عديدة .. فقد لاحظت :-
- التكوينات الفرعية الناتجة عن تجمع رمز أو رموز هندسية مرتكزة على المثلث والدائرة .. ليشكل هذا التجمع رمزاً إضافياً ( ماديَّاً ) مثل الكردان والخلخال ، حين تنتشر في أجواء المكان ( مساحة العمل ) ربما تعطي إنطباعاً بأن تلك المساحة تمثل الديار التي تحتضن هذا الحوار الكلي بين مفرداته الهندسية والمادية ، ويتعزز هذا الشعور في المثلث الكبير الذي يعلو المثلثات الصغيرة ليتشكل " الكردان " ، فهو في وضعه الهرمي الذي يعلو تجمع الأهلة التي تسيطر على الثلثين من هذا التكوين الفرعي ، شأنها كالأهلة التي تزين المآذن ، بل وحالة الزينة المنزلية " داخلياً وخارجياً " في المناسبات الشعبية .
- تلاقي المساحات اللونية ( سابقاً ) كان يأتي بمسارات حادة ، سواء للعنصر التشكيلي الواحد أو في التكوينات الفرعية حين تلتقي بالمساحة الكلية للعمل ، وقد يأتي هذا الحد الفاصل بمساحة ذات لون مختلف أو درجة لونية أكثر قوة ، بينما هنا .. أراها جميعها ذات حدود ناعمة تحمل قدراً من التدرج والشفافية ، تشبه الهالة الضوئية التي تحيط وجه القمر ، وكأنها رغبة كل عنصر في الإندماج بمن حوله .
- رغم زهوة الألوان مع إقترابها إلى الحالة الفسفورية مع شبه سيطرة للهرميات الصفراء " وهو لون شديد الجاذبية للنظر " ، إلا أن تحقيق التوازن اللوني في مجمل المساحة يعطي إنطباعاً بحوار أكثر هدوءاً من خلال هدوء هذه الزهوة في مساحات أخرى تشكل معظم المساحة الكلية للعمل .
- إنضم إلى هذا الحوار " الرمزي " ضيوفاً جدد لعلي لم ألحظها في الأعمال السابقة ، المتمثلة في التكوين الفرعي يمين أسفل اللوحة ، والذي ربما يكون مستمداً من الوشم الذي يزين ذقن وجبهة الريفيات والبدويات ، وهذا التكوين الفرعي حين يتنقل في الأجواء يوحي بمدلولات أخرى ، خاصة عندما استقر يمين قمة المساحة العامة واكتسب خضرة الأشجار " ولعلها أقرب إلى الزيتون " ، وتجاور هذا مع رمز جديد آخر " السمكة " يسيطر على مركز القمة ربما يعزز هذا المدلول ، أو ربما يعطي مدلولاً إضافياً من خلال تفرده وعدم تكراره .
- ثم تأتي النجوم لتعزز الشعور بكل ما سبق .
- الجمل الحوارية هنا أكثر إنتشاراً في المساحة الكلية ، لتمنع الإنشغال بالحوارات الجانبية " التكوينات الفرعية " عن المضمون الكلي في باقي الأجواء .
- ويمكن ( باختصار ) إعتبار مساحة العمل أنها الديار التي تحتوي وتحتضن التراث الشعبي ، فإن تحقق ذلك عملياً حلَّ الخير والنماء ، وربما تعبر هذه اللوحة عن حالة نجدها في بعض مناطق مصر ، وربما تكون دعوة لتحقيق ذلك .
- وقد يرى البعض ( وخاصة النقاد الأكاديميين ) أن القراءة الكاملة للعمل الفني ينبغي ألا تغفل حالة الفنان المزاجية بشكل عام ، وعند إنتاجه عملاً فنياً بعينه بشكل خاص ، لهذا .. ومن خلال مشاهداتي لأعمال الفنان / عادل عبدالرحمن ، ومتابعة مشاركاته المجتمعية ، ومشاركاته الفنية الخارجية ، أرى تمسكه بالهوية المصرية ، وقد يكون هذا التطور في الأداء نتيجة تطور شعور لدى الفنان بهذا الشأن ، وقد أُصيبُ في التكهن بارتباطها بوجوده في موقع خدمي جديد بعضويته في مجلس إدارة نقابة الفنانين التشكيليين .. ثم تولي منصب وكيل النقابة ، وما يلاقيه من عقبات تجعله أكثر تمسكاً ورغبة في الوصول لحوار هادئ يحترم الأصول والتقاليد ، فإن كان غير ذلك .. فالوحيد الذي يؤكد أو ينفي أو يضيف .. هو الفنان ذاته .
والله أعلم .
فريد عبد الوهاب
.نماذج من أعمال سابقة للفنان
أ.د عادل عبدالرحمن